Title
NewsWriters Body
باتت الصور والأصوات والايحاءات التي ترافق أدوات الترويج للسلع  والخدمات   تحيط بوجودنا من كل أقطاره ، وتحاصر واقعنا من جميع أنحائه  ، إنها تغلغل في مكوّنات حياتنا ، تحاول أن تحتلَّ منا السمع والأبصار  والأفئدة ، تهبط علينا من فوقنا ، وتخرج لنا من أسفل منا ، تمتزج فحوى  رسائلها بالأثير من حولنا ؛ لتغزونا من خلال الفضائيات والأجهزة  الخلوية والانترنت ، وتختلط بمادة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية  والمقروءة والمبثوثة .  ترويج مستمر لا ينقطع ، صارت مضامينه تشكل  جزءاً كبيراً من المنبّهات التي تصل إلى إدراكنا ، وتطرق باب وَعْيِنا  ، أو تقتحمهُ دون استئذان ، لتعمل على إقناعنا بما تشاء ، ومن ثم توجيه  سلوكنا إلى حيث تريد .
 وفي ضوء ما تقدم ، أعتقد أن الترويج للنشاطات الثقافية ، لتخاطب حواس  الناس ، وتبلغ  إدراكهم ، وتلِجَ إلى وعيهم ، وتأخذ دورها الايجابي في  تشكيل أفكارهم وقيمهم وأذواقهم ، قد غدا ضرورة ، بل صار واجباً على كل  من يهتم بشأن الثقافة والفكر والإبداع الفني والأدبي بشتى ضروبه .
وبخلاف ذلك فإن الساحة ستبقى متروكة لهجمة المعلومات والأفكار والصور  التي توحي بها وسائل الترويج للسلع والخدمات دون سواها .
 صحيح أن استخدام أدوات الترويج ، من إعلان ودعاية وإقناع شخصي وتحفيز  على الشراء وسواها ، تتطلب كلها كلفة ، لكن الترويج للنشاطات الثقافية  لن يعدم الوسائل التي يقدم بها الفكر والفن والأدب ويحاول جذب الناس  إليها ، من خلال ما هو متاح من الموارد وممكن من الوسائل ، ولا سيّما  الالكترونية منها ، فالمهمُّ هو أن يقتنع صاحب الإنتاج الثقافي ،  ويقتنع المؤمنون بقيمة العمل الإبداعي ، بأن الإنتاج وحده لا يكفي ،  فقد بات الترويج لهذا الإنتاج جدُّ ضروري في عصرنا الحالي ، وإلاّ فإنّ  الاطلاع على الأعمال الفكرية والفنية ، والاهتمام بها، سيظلّ مقصوراً  على فئة قليلة ، هي دائماً ذات الفئة، فلا تتخطى نطاقهم ، ولا تخرج إلى  من هم سواهم .
 خطرت لي هذه الأفكار المتقدمة ، عندما اطلعتُ صدفة على تجربتين  ثقافيتين ، أحسستُ أنهما كانتا تستحقان فعلاً ترويجاً أوسع :  أُولى  هاتين التجربتين هي إذاعة الجامعة الأردنية ، التي ترفَّعتْ عن الفن  الهابط ، وانتهجت سبيل البرامج الثقافية ، واللقاءات المفيدة ، وبث  أغاني المطربين الكبار ، الذين غابت أصواتهم إلى حد بعيد عن كثير من  الإذاعات ، ولا سيما إذاعات (إف ، إم) ، التي اتخذ معظمها من سفاسف  الأمور مادة وموضوعاً ، ومن سخيف القول شكلاً ، ومن الأغاني الركيكة  (صوتاً ولحناً وكلمة) سنداً .  ومع ذلك لا زال الكثيرون لم يسمعوا بهذه  الإذاعة (إذاعة الجامعة الأردنية) ؛ لأنها لم تلقَ من وسائل الترويج ما  يجعلها ذائعة الصيت ، مما يُخشى معه أن يضيع صوتها في زحمة الأصوات  المختلطة المتداخلة .
 أما ثاني هاتين التجربتين اللتين استوقفتاني ، فهي (مجلّة عمان  الثقافية) التي تصدرها أمانة عمان ، فلم أكن (كرجل من عامة الناس ، لا  يعمل في مجال الثقافة أو الإعلام) سمعتُ بها قبل أن يقع بيدي عددها  الصادر نهاية عام 2009 ، ففوجئت بقيمة مضمونها ، وما فيها من دراسات  وأبحاث وحوارات ، وموضوعات فكرية ، وإبداعات أدبية . ووجدتها تداني في  محتواها مجلة (العربي) واسعة الشُهرة ، فلِمَ لا تباع مثل هذه المجلة  في المكتبات إذن ، ولو بأسعار (مدعومة) ؟  ولِمَ لا نجدها بين أكداس  المجلات التي تتراكم في صالات الانتظار في عيادات الأطباء مثلاً ؟   ولِمَ لا تلقى ما تستحقه من ترويجٍ يهدي الناس إليها ، ويدعوهم  لقراءتها والإفادة منها ؟ لكي لا تقتصر معرفتها وتداولها بين المشتغلين  في المجالات الثقافية أو في مجال الإعلام ، دون سواهما ؟ 
وبعد ، أعتقد أن الاهتمام بالترويج للنتاج الفكري والإبداعي والثقافي ،  يدخُلُ في باب إدراك الواقع ، وفهم متطلباته ، والتعامل مع أدواته ،  وإذا كان الترويج للسلع والخدمات يهدف إلى الربح دائماً ، فإن الترويج  للأعمال والانجازات الثقافية يرمي إلى تعريف الناس بمواطن الفكر العميق  ، والأدب الرفيع ، والفن الجميل ، والإبداع الراقي ، والمعاني السامية  .  ففي عالم تزايدت فيه النشاطات التي تسعى إلى إقناع الناس باستهلاك  شتى أصناف السلع وأشكال الخدمات ، وتزاحمت محاولات جذب الأفراد وشدِّهم  إليها شدّاً ، يغدو الترويج لما يتعلق بالجانب المعنوي من الحياة ليس  مجرد ضرورة ، بل فضيلة أيضاً .
NewsWriters Author
NewsWriters AuthorImage
 
ExpireDate
PublishDate
Attachments
Content Type: JUSTNC NewsWriters Item