توطئة:
بحث اللغويون المعاصرون في الموقف من التراث العربي القديم في اللسانيات والأدبيات وفي مناهج قراءتيهما عبر المنهج الفيلولوجي للغة للوقوف على آليات النقد اللغوي والأدبي، وعبر تاريخ الأفكار. ثمة استراتيجيات تأويلية لفهم اللسانيات والأدبيات تتشكل عبر تحديد مستويات اللغة الواصفة التي تنطلق من أن النظريات تقيد فعل الملاحظة، وهي فرضيات قابلة للنقض، وأن هناك فروقاً بين المبادئ الصارمة الثابتة والنظريات التي تتسم بالنسبية. فالأدب نشاط إنساني لا يرتبط بزمان ولا يتقيد بأيِّ مكان، ويعد النقد محفزاً له ومرآة تعكس ما فيه من جماليات وروح، وهو في حقيقة الأمر متولّد عنه، ويُعد التجديد في الأدب ولادة له؛ ذلك أنّ التقليد والتجديد سمة جميع الثقافات، ولم تنحصر هذه السمة في حضارة دون غيرها، كما أنها لا ترتبط بالحاضر والماضي أيضاً، فليس كل قديم هو بالضروة من التقليد كما أنّ ليس كل جديد هو بالضرورة من التجديد، وقد نجد أن هذا الأمر عند العرب أكثر حدّة، حيث اصطبغت آدابهم ونقودهم بصبغة خاصة، فكل عصرٍ من عصور الأدب والنقد عند العرب يُعد ثورة على سابقه، وتجديدا لا تقليدا، فعنترة بن شداد مثلاً كان في عصره مجدداً لا مقلِّداً، وكذلك حسان بن ثابت والخنساء في صدر الإسلام، ومن بعدهما الأخطل وعمر بن أبي ربيعة في العصر الأموي، إلى أن جاء البحتري وأبو تمام والمتنبي وابن الرومي والمعري، فمثلوا حالة جديدة من التجديد في العصر العباسي، ورافق هذا كله حالات من النقد الأدبي تجسدت على أيدي مجموعة من النقاد كابن سلام الجمحي وابن قتيبة والامدي والعسكري والقرطاجني والجرجاني وغيرهم؛ حيث اتسمت نقودهم بالتقليد أحيانا وبالتجديد أحيانا أخرى، إلى أن وصلنا العصر الحديث وما داخَلَهُ من اتجاهات أدبية ولغوية، ومناهج نقدية خرجت عن الإطار التقليدي عند العرب لتلتقي بالاتجاهات والمناهج الوافدة من الحضارات الأخرى كالتركية مثلاً، فالصراع دائم بين التقليد والتجديد، ومستمر بين التكرار والاختلاف، ومتجدد بين الموروث والحداثي.
ويرنو هذا المؤتمر إلى إضافة رؤى جديدة مُعمّقة تتناول الحالة الإبداعيّة والنقدية في اللغة والأدب عند العرب، وأصداءها قديماً وحديثاً تناولاً علميّاً موضوعيّاً، للوقوف على جوانب التقليد منها، وبيان ما طرأ عليها من تجديد ميّز الهُويّة العربية ونهض بموروثها. لا ينكر معظم الباحثين دور الغرب في تطور الدراسات اللغوية والأدبية الحديثة؛ إذ نشأت مدارس غربية بدأت بواكيرها منذ القرن التاسع عشر الميلادي تناولت اللغة والأدب ضمن منهجية علمية بحثت في اللغة ومستوياتها الأربعة، وما يتعلق بها من علوم إنسانية أسهمت بشكل فعال في تطور الدراسات اللغوية والأدبية. وعلى الرغم من ذلك فنحن لا نستطيع أن نزعم أن نتائج الدراسات اللغوية والأدبية الحديثة صناعة غربية بحتة؛ لأن ثمة صلة بين اللغويات الحديثة والتراث العربي القديم؛ فالتراث القديم قد أسهم عبر الركام المعرفي المتناثر في اللغة والأدب من أجل تفسير الكون والحياة، واهتم باللغة لأنها المكون الجوهري من مكونات الإنسان. وأهم ما يميز المنجز الغربي في اللغويات التطبيقية أنه قد وصل إلى مرحلة متقدمة في تناول العلوم الإنسانية المتعلقة باللغويات التطبيقية والفنون كالموسيقى والسينما، كل ذلك كان له أثر في تطور اللغة وبيان أهميتها في الاتصال والتواصل والبناء والحوار والسياسة. وفي مجال الأدب ونقده ظهرت مدارس غربية تنظر إلى الأدب نظرة شمولية مما جعل الغرب يقسم الأدب إلى مدارس ومذاهب شتى، كل مدرسة تؤيد فكرتها في تحليل الآداب من قصة وشعر ونثر وأمثال مما له علاقة بحياة الناس ومكوناتهم النفسية.
رئيس الموتمر:
أ.د. أحمد بطيحة
نائب رئيس الجامعة